كتاب الرأي

التقارب بين السعودية وإيران

بقلم : مشعل بن دغيثر

كان الإتفاق السعودي الإيراني نتاجا لعمل سياسي كبير استطاعت السعودية أن تكون هي المسير لهذا الإتفاق وفق رؤيتها ولم يكن ذلك بين يوم وليلة، ولم يكن قراراً سريعاً أو مفاجئاً كما هو في ظاهر خبر استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، بل نتاج مباحثات وحوارات معمقة وتفاهمات يتسيدها الأمن وحسن الجوار والاحترام، وللتعمق في لب الخلافات التي كانت قائمة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية لا بد من استحضار حقيقة هامة وهي أن المملكة دائماً تحرص على أمنها وأمن جيرانها واستقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل عام بوصفه جزءاً حيوياً من أمن واستقرار العالم في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الآنية، ومن ناحية أخرى فليس للمملكة أية حدود مع إيران، وبالتالي يسقط السبب الجغرافي.

هذا وقد تم قطع العلاقات على مر التاريخ بين السعودية وإيران ثلاث مرات 1943م، وعام 1987م والمرة الأخيرة عام 2016م بعد الهجوم على سفارة المملكة في طهران، وقد تم ترميم العلاقات عدة مرات أيضاً، ولكن الجديد في الأمر هو الوساطة الصينية وبرعاية شخصية من الرئيس الصيني الذي أقنع السعودية بمبادرة عودة العلاقات واستعداد إيران للانخراط في مباحثات بناءة وصادقة، وقد أطرت المبادرة الاتفاق بالتزامات قبلتها قيادة المملكة وثمنتها للجانب الصيني وجهود الصين الفاعلة في استضافة المباحثات من أجل دعم مسار تصحيح العلاقات، لما للصين من مكانة إقليمية ومكانة خاصة لكلا الجانبين السعودي والإيراني كصديق مشترك للدولتين مما يعد ضامناً مهماً لجدية الاتفاق وأيضاً يعد خطوة مهمة للصين للدخول في الترتيبات الدولية الكبرى وفض الخلافات وعقد الاتفاقيات الأمنية، فكان الدور السعودي في التفاهمات بارزاً ومتميزاً برعاية وزير الدولة ومستشار الأمن الوطني الدكتور مساعد العيبان، ومن الجانب الإيراني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني لتتم الاتفاقية بما يتوافق مع سياسة المملكة وضمان أمنها واستقرارها.

أما من ناحية التوقيت للاتفاق ففي تقديري أنه مهم جداً وسط التحديات السياسية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، ويتسق كثيراً مع حراك التحالفات وتعزيز العلاقات الذي تتبناه المملكة في الوقت الحالي وبالأخص في مرحلة برود العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت الإدارة الحالية.

والجدير بالذكر أن المملكة لم تُقدم يوماً على قرارات سياسية غير محسوبة العواقب، وكذلك هو الحال في الوقت الحالي الذي تحشد فيه قوى غربية متعددة حرباً كلامية وتلميحات سياسية وعسكرية ضد إيران ولكن المملكة تجاوزت هذا المنزلق وهي تعلم جيداً أنه سيؤدي إلى فوضى في المنطقة بتوجيه سياسة المملكة إلى الحلول الدبلوماسية ونزع فتيل الأزمات وكسب الصداقات وتقليص مساحة الخلافات إلى الصفرية وسد الفراغات الإقليمية بسلمية تامة وعلاقات وطيدة قوامها الاحترام والأمن.

د . منصور الغامدي

مدير تحرير صحيفة وقع الحدث في المنطقة الغربية وصحف اخرى عضو في هيئة الإعلام المرئي والمسموع وعضو جمعية إعلاميون وعضو في هيئة الصحفيين السعوديين إعلامي من 17 سنه مستشار إعلامي لعدة مراكز وجمعيات حاصل على الدكتورا في إدارة الأعمال

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى